وادي الديازيبام






وادي الديازيبام

عبدالرحمن عفيف
 

لوحة الغلاف: بشّار العيسى


القسم الأوّل

في قمرِ التوتِ الأبيض
 
أجِدُ هنا في وحدتي العالم
أجِدُ الكرسيَّ ثانية
أجِدُ شقائقَ النّعمان في حوشي
أجِدُ فنجان القهوة
بهذهِ النّعمةِ أحملُ الكرسي
وفي الحشائشِ الطّويلة
في السياجِ المصدّأ
في درجِ القبوِ
أعرِفُ ثانيةً
***
أسألُ درجَ البيتِ في عامودا
وفي الشبّاكِ"
"هل ترتجُّ يا ضوءَ ـ أمينة-؟".
موقفُ الباصِ الأزرق
في الرّيحِ
شجرةُ التوتِ في يدِ ـ أمينة-
ومصباحٌ
- أأنتَ هو ذاك الحبُّ السابقُ
ربّما... ربّما
يقولُ الحبُّ
آه...
***
الكنيسةُ الطينيّةُ
وجرسٌ من طين الرنين البني
على رأسي المُراهقِ
والزهرةُ في دفتري
جنبَ بئر الليلِ
حيثُ أنظرُ
أرى وجهَ أمّي
وحنطةَ الشتاءِ المغليّة
كلبٌ يعوي رومانسيّا
في المقبرةِ
ما كنتُ...
ذاتَ يومٍ
ما كنتُ
ذاتَ يوم!!!
***
أُفتّشُ في جيبي عن رسالةٍ
أُعطيكِ
إنّهُ ليلُ ريفِ عامودا
العرسُ يدويّ في كآبتي
وأشجارُ التوتِ
في الصيفِ الماضي أتينا
على كلِّ ثمارِها
في زاويةِ الشارعِ البعيدِ
كانَ ثعلبٌ صغيرٌ ينظرُ
عيناه كانتا تبرقان في
العرسِ
وتلتهبُ أذناه
من الطبول...
***
لم أجلبْ لكِ منَ الشتاءِ
أيّ ورقةٍ
جلستُ فقط لساعاتٍ مديدةٍ
تحت ظلّ عشبة
في الطريقِ المقفر
إلا من بعضِ الرّيحِ التّعبة
والشتاءُ أيضاَ نسيتُهُ
لم أرَ القمر يعلو
من الغيومِ المتلبدة
ومن الصّحوِ الذي نادى فيه
مؤذّنٌ
- في هذا الماءِ الكثيرُ من المني
في الطلعةِ إلى المسجد
تعرِفُ حتّى الجدران
جيّداً وبحكمة!!!
***
رأيتك في السنبلةِ وهي تميلُ على "بريفا"،
رأيتك في الوادي القريب الغامق بالربيعِ
جالسا معَ الظلِّ
تقولُ لهُ الطينَ والأرقَ مع الكتبِ
والعم المجنون يبتلعُ حرملَ "موزا"
- نريدُ فقط القليل
نرى أيضاً القليل
والقليلُ يقولُ كلّ شيءٍ
قبلَ أنْ تنامَ أغلق النّوافذ
سيأتي الموتى.
***
بعدَ أن تكلّمتُ معكِ ساعةً كاملةً
والباصاتُ تجيءُ وتنسى شعركِ الطّويلَ
وتجيءُ وتنسى شفتيكِ لي
أنا الطّائر في جوارِ المئذنة
في الزّاوية الزرقاء من القبّة
أنظرُ إلى بيتكِ الزوجي الآن
تخرجين من المطبخ
تنهمرُ عليكِ مشاعرُ ربيعٍ قيل عشرِ سنوات
آه...
منذُ عشرٍ سنواتٍ تهطلُ الباصاتُ
على قلبي
بدونِ شفتيكِ!!
وتنسى شعركِ يذهبُ بالرّيح
بالريحِ الأطولِ.
***
في الحجرِ الأسودِ الذي وجدتُهُ
وجدتُ أيضا خرزةَ عُنقكِ
وبالخيطِ حولهُ
كانت أشجارُ اللوزِ هي أشجار اللوزِ
كانت حقولُ القمحِ تفيضُ
الدروبُ تفيضُ...
غيرُ منفك من الخرزة عنقكِ
إنّهُ الغِنى أيضاً
فقط لي
أنا الأفقر...
***
أجلسُ على ضفّة دموعي
كشاعرٍ
وأغنّي شجرة أبيضِ اللّوزِ في
المنفى...
أغيّرُ مِن ناحيةِ الحزنِ
كي يصيرَ ببسمةٍ ما
ويقدر على أنْ يتحرّك
وأغنّي في قمرٍ على المنفى
لا أفهمهُ
- ماذا فعلتَ بأبيضِ اللّوز
وبالتوتِ الأحمرِ الغامقِ الغامق
أيّها الشّاعرُ الداكنُ
في قمرِ التوتِ الأبيض
أيّها الشّاعر!!
***
يلفُّ فيلسوفُ المراهقةِ قلبي
على درّاجة حمراءَ
 ويزورُ حارةَ أمينة
البلكونُ في المساءِ أخضرُ وأرستقراطيٌّ
إنْ رفعتَ رأسكَ
سترى طاؤوساً بمليون درّاجةٍ
يقرأُ وينظرُ إلى السّلالمِ
إنّهُ الفيلسوفُ نفسهُ
وقلبي يضحكُ بخفوتٍ
هذا المساء في صيفِ القامشلي
- كم وددتُ أن أشرحَ لك
قلبي على الأرياش!!
***
هناكَ نافذةُ الصيفِ مفتوحةٌ
لأجدَ أبي
- كم الساعةُ و لا أحسُّ بنفسي منذ عشرِ سنواتٍ
في قبرِ رياحينِ أمّي
في أصصِ القططِ الموضوعةِ
أو تحتَ إبرةِ أختي
- زرعتُ لكَ فنجان قهوة
إنْ زرتنا
النافذة تحت الإبرةِ
تخيطُ قلبي إلى أختي
فستانُ "رأس العينِ" على أختي الجميلةِ
الأقمارُ التي أراها يعجُ بها المطبخُ
وشجرتكم أختي
تُزقزقُ بها
إنّهم أولادي
يطيرونَ هنا وهنا
في أصصِ القططِ التي تأتي من الجيرانِ
وفي الأعراسِ المجاورةِ
خيطي لي
لي رياحين نافذة الصيفِ.
 




يوتوبوري
 
رأيتُ في اليقظة ملاكاً في الثلجِ جريحا ونائما
بست عشرة سنة
 نائماً
وأيضا رأيتُ لوحة فخاريّة
 ويدان جميلتان تديرانها
في المنحدرِ.
***
رأيتُ في السّفينة الشراعيّة
عينيكِ غامضتين
وفاتحتين في القريب والبعيد
والحشودُ كالريحِ على وزن الشّمعة
في يدك على الشّاطىء والجسر
ورأيتُ النّوم
على الأشرعة.
***
يوتوبوري
يفرّ طائر بحري
بلكنة السويدية وحرف الفاء من شفتك البيضاء
على الرّيح
كأن لا مسكن لهما ولي
ولا أريدُ أبعد.
***
كارين بوي قصيرة القامة في الاستقبال في المتحف
ضحكها انكليزي وسويدي
وشعرها مقصوص كالشِّعر
بمقص الحب المثلي.
 تغني العواطف غامت
ونضحك
الرّيح..
***
في الصّيف البجعُ الأخضرُ
على البحر وأنا معهُ
ومعهُ على البحر
البحرُ ذاتُه والسفينةُ الشّراعية
والمقهى الأثري
بفتيات صغيرات وأمّهاتهنّ
أقولُ وأصمتُ
أصمتُ وأقول...
***
يوتوبوري
مظلة بيضاء مفروشة على نفسها
وطاقيّة للثلج
وشقراء الشتاء
عليها الرداءُ من اللامعروف
وربّما حنتورٌ ينقل العشّاق منتصفهم
في منتصفهم واقعين...
أشقروأسود الشّعر واقعا من الخمرةِ في الشّارع
إلى جانبِ البحرِ
مصباح أبيض.
***
أين المتحف المركزي؟
أين المحطّة للقطارات؟
أين الليلُ؟
يمضي ويأتي
أين النّهار؛ أين النّهار الفضي والثلج
ونايُ الصّيفِ
وقبلةُ يوتوبوري ويوتوبوري
صيفيّة بشوارع؟.
***
صحتُ
صحتُ وسكتّ
رأيتُ النرجسة معلّقة فوقي
ونمتُ.
في رموشها طيلة الليلة من الشتاءِ والصيف
وعرفتُ.
***
ثمّ نسيتُ وأتيتُ إليه
متكسّرا
كالشعراء وكارين بوي في
انتحارِ عينيّ
وقلتُ:
أفتحُ هذا الرمش الأبيض
متلعثما بأقوى نظرةٍ منها
على كارين بوي
ويوتوبوري.
***
قالت: صمتُك أيضا أبيض
بجانبِ قدمي
بالسويديّة
أيّها الجبليُّ، أيّها الجبلي احتفظ بشيطانك
لأحبّكَ
وأبقى على الصّورِ غير منتحرة
لك غير منتحرة
وقصيدة بدل الفخّار الحزين
في زجاج الدكاكين بغير دموع.
قلتُ:
تعرفُها
إذاً، الابتسامةُ الشجريّة
في شفتها تودّك
بمقدارك وتعرفك في قميصك
وانظر
سوف قيثارةٌ تنضمّ في آخر النّهار
وقدماكما
على ضفةِ التلِّ
تعرفان جنسا من سابق
ومتعبان على التلّ الصخري
شفقان ونرجس أسود الحب
الحب الأبيض.
***
مضت وانتصبت
 في الانتظار
والطرق ولعبت بشعرها النظراتُ من التلال
وعيونها برقت والأطفال المتزحلقين
على نصبها كأنّما أمّ المدينة قطراتُ دموعها على الأطفال شقراء
وشجرة تعرّت حبّا
وطار خرافيّ بينها وحرّك
جناحيه رمز الموت فانفرجت
وانزلقت في بعيد وقريب...
***
آه...
يداك ناقوسان في فصح
هذا الصّباح أيّتها الشّاعرة
وتقولين بصمتكِ:
- أطفالي، أطفالي،
وسفينة صغيرة تعبرُ القناة
فتضمين شفتيك
على غصن على تنّورتك
القصيرة في الفصحِ
والسنة..
***
آه..
أغمضُ يديّ
وأحبُّ سويديّة
وأرمي سؤالاً بالانكليزية عابرا
والعابرُ يقولُ
 إلى اليسارِ
 من التمثالِ على الجسر
في الصّيف ثمّ المنحدر وانتبه ـ إنّه منحدر
عيناكَ عينا كارين بوي
في الثلج ترى الفخّار الدائر
ترفع لها رأسكَ تبتسمُ من النافذة تحيّيها
فخّار يدورُ ويدانِ
يوتوبوري...
***
آه...
مضاءٌ مضاءٌ حزنكِ
وكآبتُك تملأُ بأزهارِ الوديان الشارع
وينهمرُ ثلجُ السويد
يغمرُ رقبتك ببياضه
حيثُ لا قرية
ولا يطيرُ طائر قطّ
وتقولين- موتي!
***
في المقهى وأتمعّن
في الكاتدرائيّة على شعركِ
والجسرِ على تنّورتكِ
والشراع في نظرتك وأقول
- آه
أيّتها الكنيسة الصّغيرة الممزّقة
بآلام الأزهارِ
أيّها الشّراع الأزرقُ بالموت
وتأتين
كلُّ طائر بارد في عتمة أغصان الطريق
ينشدُ
كلُّ دودٍ من جسدِك المثيرِ سالفا
يعبرُ الشّوارع ويشربُ التراب
أنت شاعرة وتعرف
أنت شاعرة وتعرف
في أعمقِ صورة الشّعرِ
اضربي على دمك قلبك
أوّل طائر
أوّل طائرِ الانتحار.
***
حبّي تركني
ومضى ودفاترُ اليوميّات
وما الذي ستقدّمه؟
يوتوبوري المسكينة
كسرة الخبز في الفصح...
حبّي مضى
كالصّيف أخذتهُ الصّورُ
وبقيتُ
بالغصنِ
النحيلِ على سفينة، على جناح نورس
ونورس
على شراع سفينة...
***
أمضي
المدينةُ على معطفي
ويداي في جيوبِي
العشّاقُ على الطّرقات
وكؤوس البيرةِ وشعورهم تنحدرُ على الأجراسِ،
الشعراء
يتوقّفون على ممزّق من الذكريات والتماثيل
عن منفى يوتوبوري وعارفا
الثلجُ يغطّي المنحدر والبيوت
أيضا
وقلبك الشاعر يضيء في الدفترِ.
***
ترامات يوتوبوري تميلُ سككهُا إلى الذي
لايُرى
ألمحُ آخرَ الصّباحِ
عارفا:
نرجسة على البحر يوتوبوري
أصفرُ وأبيضُ وأبيضُ وأبيضُ...
هانوفر 01‏/01‏/06
يوتوبوري: مدينة سويديّة في الجنوب، يقال لها أيضا غوتبورغ أو غوتنبورغ.


تعالَ يا جناحَ الصّيف الفائتِ
 
عامٌ يمضي
في منتصفِهِ هذا الحجرُ البنيُّ
بجانبِ الحجرِ
أنا
ممدّدٌ
لاأحدَ يعرفُ
هل أنا ميّتٌ أم حيٌّ!!
 
في الشّرفةِ
تلكَ الشّرفة التي أخترعُها في الشّعر
أرى ضفيرتيكِ
وتبتسمين في المرآةِ
 
- قبل ذلك لاترينني وبعد ذلكِ
في شرفةِ الشّعر ...
 
نقولُ – بيتي
نقولُ – الحمامةُ
نقولُ- بيتٌ وحمامةٌ فوق البيتِ
ولانطيرُ
نحسُّ بيأسنا
 بقوّة...
 
أو
نذهبُ إلى المنفى
عسى ننسى
الخريفَ الحقيقيَّ
وبدلاً عنهُ
فقط في الكلمة
ولانستطيعُ أنْ نأكل من هذه الثّمار
إنّها مرّة وقاسية
 
الشّجرة كانت بيضاءَ
على جانبِ الشارعِ
عليّ أنْ أعدّ للامتحانِ القريب
الشّجرة أورقُها بيضاءُ
وسأتسلّقها إلى القمّة
حيثُ أرى عامودا
- الجسر بقربِ البلديّة
إلى اليمين ...!!
آخ –
لم يحلَّ الشّتاءُ تماما
وقطعةُ خبز العصافير مبتلّة
ثمرةٌ شوكيّة ساقطة
في أسفل الشّجرة
في الليلِ خلف الليل
قمر ضعيف
 
يدي
يدي
يدي
يدي الأُخرى
يدي في حبِّ أمينة
يدي فارغة
يدي الأخرى
 
رأيتُ سيّاراتِ العرسِ
إنّهُ الصّيفُ يدخّنُ في رأسي
- منفلتاً في قرى عامودا ... أنجنُّ
وأجمعُ القشَّ والعناكبَ والأكياس الخضراء
لحيةُ الصيفِ ذهبيّة
في رأسي...
 
أرمي هذهِ الإشارة إلى الغصنِ
وأختبىءُ في لحافي
وفي الليلِ الشّجرةُ تتمايلُ
أخبّىءُ نفسي أكثرَ
لا أجدُ بوذا، إنّما الإشارةَ،
نفسي، الشّجرة
- وسطح الأشياءِ
 
غامقُ الحياةِ
لاتُرى ... فاتحُ النّهارِ يُرى
أبيضُ الطّفلِ على أخضرِ البياضِ
ارجوحةُ الجدّ ذي النّهارِ وقبرٍ أخضر
ارجوحة العصفور ذي اليدِ المكسّرةِ
وأبي يأكلُ من الحياة...
 
الحبُّ مِن أوّل خاتمٍ فضيِّ
بخمسين ليرة سوريّة
صديقي غسّان يأخذهُ إلى الكتابِ
ويذهبُ في الشّارعِ
أو يعودُ الحبُّ بخمسين ليرة سوريّة
تصنعُ منهُ أمينة قفّازات ليدي
الباردة في الحب...
أو
أنا وغسّان سويّة نحبُّ مها
رأيتُها في المرآةِ
ابنة رأس السّنة و
- إنّهُ حجري قربَ مدرسةِ المعرّي
- أنت طائش...
أيضاً غبارٌ على جاكيتي
منذ يومين من العرسِ
- سيكارة قربَ قطاةِ
سياجِ المعرّي
بلا جناح
 هنا...
 
غنِّ يا صمتَ مئذنةِ زهرةِ القرمزِ الشتويّة
على أباريقِ مسجدِ عامودا الكبير
حيثُ يستيقظُ ماءُ صلاة الظهرِ
والحبُّ يمشي حافيا في الحواري مثل لصٍّ منتصفِ النّهار
- رأيناهُ ملثّما يأكلُ الكرز ويقهقهُ
 
أيّها العندليبُ الفاجرُ على المقبرة
يا قمرَ وسطِ سرّة الحبِّ
لقد قتلنا أنفسنا بالأحلام
وأفلاطون العدسِ في الصّباحِ
يحصدُ أرواحنا الفتيّة
يا وسطَ قمرِ سرّة الحبِّ
لقد قتلنا أنفسنا بالأحلام
 
في هذه المدينةِ الصّفراءِ
تعلو روائحُ المجاري المتعطّلة
وصيفاً أيضا روائحُ النّعناعِ والأثداءِ الفتيّة
وصيفاً أيضاً ينحفُ الشبّان مِن الغرامِ الأعزلِ
وصيفاً أيضاً تعوي القلوبُ
على ستائر أسرّةِ
الصباحِ...
 
انحر الشّمسَ على المكحلةِ
امشِ في وسطِ الطّريقِ وقل:
- عامودا...!!
قل:
- قلبي على الأشجارِ يخفتُ
وحين ترى عامودا
قل:
- مضت ورقةُ شتاءٍ وجاءت ورقةُ شتاءٍ
وانظرْ في الطريق
عسى جناحٌ يعرفُ
كم تألّمنا !!!
وإنْ رأيتَ عامودا
قل:
- تعالَ يا جناحَ الصّيفِ الفائتِ
تعالَ...!!!
 


لايدَ في يدي
 في هانوفر قَبلكِ
 
لنْ أقولَ:
ـ أحبّكِ الآن
ولا في وسطِ القصيدةِ عنكِ
ولا في محطّة باصاتِ هانوفر
لن أقولَ:
-  أحبّكِ
فأنتِ أوّلاً -  لستِ هنا
وثانياً ـ أنتِ تعرفين
وثالثاً
 السيكارةُ في فمي
وأشربُ القهوة الرّخيصة
مع صديقٍ
وأنظرُ إليّ -
شعري
قامتي مائلة
نحيفة
بسبب حبّك ِ...
 
 
أنتِ حقيقيّةٌ لتتعلّمي اللّغة الكورديّة على يدي
- على يدِ شاعرٍ !!
تقهقهين في فمي
في داخل القبلة
.......
ألسنا نفهم بعضنا منذ القهوة التي أعددتِها مراراً لي
ثمَّ سريعا الشاي وسريعا القهوة
- ما هذه العادة، لازالَ فنجانُ القهوة في منتصفهِ
وكنتُ قرّرتُ أنْ يكونَ حبّي لكِ
حقيقيّا وواقعيّاً
........!!!
 
يعجبني جسدُكِ
بنطلوناتُكِ السّودُ
وعيونُكِ الألف السّود
وشعرُكِ الأسود وحبُّكِ المخفيّ لي : الأسود
لم أداعب فخذين ألَذَّيْن من فخذيكِ
ولاأمتلكتُ فمّاً ألذَّ
وحقّا لم أعرف أنَّ الحبّ أشدّ لاواقعيّة
إلاّ معكِ...
وقرّرتُ أنْ أتزوّجكِ
قرارٌ ألف في المئة خاطيءٌ
أنتِ لاتُتزوجين
أنتِ مخفيّة...
وعيونُكِ سودٌ
بنطلوناتُكِ سوداءُ
أنتِ أنثى فخذيكِ...
 
أنتِ تقصّدتِ
أنْ تجعلي منِكِ سريّة
وأنْ لايستطيعَ أحدٌ أنْ يتكلّم عنكِ
أنْ تكوني شمعة تحرِقُ ألسنة المتكلّمين عنكِ
وحقّا:
أنتِ تشتعلين بلسان شمعة
ولاأذكرُ إسمكِ إلا ضجّت في أصداغي
حُمّى إنثويّتِكِ...
وأخافُ...
- أين اختفيتِ بكلِّ شراهةِ الاختفاءِ
أسمعُ مواءكِ وأريدُ امتلاككِ
بشهوةٍ في ليلِ الوحدةِ
هنا
معي...
 
ولا أريدُ أنْ أتزوّجكِ
لا أريدُ أنْ أمارِس الجنسَ معكِ
لا أريدُ أنْ نعيشَ سويّة في بيتِ واحدٍ
كوني صديقة أحدِ أصدقائي
- اتركي لي لذّة أنْ تعدّي لي القهوة
أنْ تصبغي شفتيك الصغيرتين بأحمرِ الشّفاهِ
واصغي إليّ بشرود حين أتكلّم عن تعاسةِ الشّعراءِ
- اتركي لي لذّة أنْ أحلم
بحبِّ سيتحقّقُ ذاتَ يوم
وأراهُ في عينيكِ لي
بوضوح
وأنتِ تبتسمين لهُ
بوضوح...
بشرودٍ قليل
وقولي:
- نحن التّعساء...!!!
 
لنَ أكتبَ عن الحبِّ
لايهمّني الحبُّ
فلنسّمهِ أنا وأنتِ والآخرون : خيانة
لنْ أكتبَ عنِ الحبِّ
لايهمّني الحبُّ في شيءٍ
ما بيننا لم يكن ما يُكتبُ عنْهُ
أنتِ تهمينني
وكم أنتِ ضالّة في هذا الذي يحسبهُ الآخرون – خيانة
وكم أنا أتبع الضّلالة لأجلِكِ
ولاأعرف...
كم نسمّي الخيانةَ حبّاً
- والآخرون – إنّهم يحبّوننا لأجلِ هذه الخيانة
العالمُ عظيم
البشرُ رائعونَ
وأنا وأنتِ في القطارِ إلى هانوفر
في أعمقِ القُبلِ...
 
أنتِ تهمينني أشدَّ
أنتِ تهمينني أعمق
أنتِ عظمكِ ولحمُكِ والجنونُ في عينيك السودِ
وقلقُ حياتِك وأسئلتُكِ
أتخلّى عنِ الحبَّ لكِ
عن الشّعرِ لكِ
لا أصفُ شيئا
أعيشُكِ – إنّها الحياة محدّدة بدم
أتخلّى عنِ الأصدقاءِ لكِ
لكن الأصدقاء يفتحونَ لنا أبوابهم
أتخلّى عن الله لكِ
لكنَّ الله ينظرُ إلينا في السرير
عريانين ـ
ويقهقه...
 
لامطر في هانوفر قبلكِ
لاترامات خضراء وفضيّة قّبلكِ
لامطرَ في هانوفر وعلى شعري وجبهتي قبلكِ
لاقهوة ولاحديقة في هانوفر قبلكِ
ولاأعرفُ هانوفر قبلكِ
ولاهانوفر قبلكِ
لاأنا
 قَبلك. ِ
 
لايدَ في يدي في هانوفر قبلكِ
لافم في أذني قبلكِ في هانوفر
ولاكنيسة – ليس هناك كروبكه في هانوفر قبلكِ
لا متزو في هانوفر قبلكِ
لا رواية إلياس كانيتي ولا مكتبة تزفاي تاوزند آينس قبلكِ
لم تقبّلني أيّةُ امرأة قبلكِ
ولاعرفتُ قُبلَ القطارات قبلكِ
لم أكتب الشّعر قبلكِ
لم أشربِ القهوة قبلكِ
لم أستمع إلى الموسيقى قبلِك
لم أتمدّد في حديقةِ حوشي قبلك
لا قََبلكِ
لا....
 
أنا
نحيلٌ- مائلٌ
في قهوةٍ رخيصةٍ
مع صديقٍ.
 

















بكيتُ نصف ساعة...
 
كأنّما مصّاصو الدّماءِ
في الطبيعةِ الضحلةِ
الأشجارُ تنهمرُ في منفاها- الأرضِ
في العناكبِ ذلك العالم الأبيضْ.
 
الفتحةُ الغابيّةُ
إنّها قريبةٌ - لنْ نتعبَ في الوصولِ
وسنصِلُ حتما...
- نأكلُ الخبزَ الأسودَ والجبن
في المشي!!!
كيفَ شاهدتَ هذا الحجرَ
إنّهُ ينظرُ...!!
 
إنّها تقفُ - الأشجارُ
لا تعرفُ أنّها في هارتس
لا تعرفُ الشعراءَ العميان
الساذجين - بغير حبٍّ
ابحثْ عنِ الخرافةِ
فينا أوّلا - صديقي!!!
 
كيفَ فكّرتُ في البصيرةِ
الضبابُ أعمى التجوّلِ
الصبرُ أعمى
الأقدامُ تتحرّك
إنّهُ عمى الحركة
ونجلسُ في المقهى
وأصوّرُ العمى - الضباب
- لقد نسيتُ معطفَ المطر!!
 
أرفعُ فنجانَ القهوةِ
أخفضُ فنجانَ القهوة
مليءٌ بضبابِ روحي هذه المرّة
وأنا بنيُّ نفسي
- لم أعرف
أهذا أنا
إنّها مفاجأةٌ
 
أكتبُ الشّعر كالأوربيّين
وأقرأ الشعر كالأوربيّين
لا أظهرُ أيّ عاطفة أو حماسة
كأنّما أتحدّثُ عن جرّةٍ
أثريّة....
 
كنّا على وشكِ أنْ نمرّ
ولم يكنْ طائرٌ أكثر من الحجر
ولم تكن غير بئر بأعمدةٍ عليها
والشجرة المتحطّمة من تفكيرها
تسدُّ دربنا
- دربنا
- هل هذا دربنا
- الشجرةُ تقولُ - ارجعوا
إلى مصاص الضبابِ
وعجائز أخير الليلِ.
 
لقد تركنا الفلسفة في تنّورٍ ما
وبخطونا المتفرّقِ المتسارعِ
ننظرُ إلى ألواح دليل الطرق...
هنا نسمعُ صوتَ مطرٍ يهطلُ في الخفاءِ
الغابةُ أمّنا
ونسمعُ كلامَ النّاسِ في الأسفلِ
- لا نراهم
أسرع
إنّها الأسطورة
- بارباروسّا...
 
لا قيمةَ للشّعر بين الورقِ
في طمأنينة تبني العناكبُ  ضبابها
على حوافّ الدّربِ
والمتجوّلون في هذا العلوّ يحيّون بعضهم
بلطفٍ بالغٍ
- هارتس
- هارتس
- علوَّ
- علوّ
- قطارُ الكابلِ
لا رحلةَ لنا...
 
الشّاعرُ لا يبحثُ عن الاستقرارِ
عنِ التبدّلِ
لا يعجبُهُ الصّيفُ طويلا
والحجرُ كادَ يتكلم معي جهارا
- لم أكن أنا قد صرتُ حجرا
بل كائن الحجرِ الذي نطقَ
داخلي
وقال: كنْ ثوريّا
لاترضخ...
وإلا ....
وأنا أنصتُّ
ومزّقتُ قلبي...
 
إنّهُ الصحو الأوربيُّ
قبلِ وجودِ الأديانِ
- كنتُ لن أعبدَ الحجر
لكنْ أبني لي عليه
عشّا
كالغربانِ
- هذه الصخور وطريقنا إليها
تسمّى صخور - الغربانِ -
 
في المقهى
- أرغبُ في فنجانِ - اسبرسوّ -
معه قدحٌ إلى نصفه ممتليءٌ بالماءٍ المعدنيِّ
ثمّ فنجانا صغيرا آخر من ال - اسبرسّو -
- القفز من الشبّاك
-...
- على صخرةِ الغربان
 
أخفضُ صوتي وأحترمُ صمتي
إنّني أكثرُ قوّةٍ في الصّمتِ
وأسيطرُ شيئا فشيئا
على العالم
 
أخبّيءُ نفسي وأهربُ إلى اللانهائيّ في
قاعي
الموتُ الأقوى
ينادي...
 
مع الموتِ
أيضا
- أهو موتٌ هذه الحياةُ الشمسية
في الخارجِ
- إنّهُ فقط تصوّر
- لكنّك مكتئبٌ جدّا
خاصّة في النّوم
حينما قرب كنيسة - هارتس -
بكيت نصف ساعة
 
ماذا قلتُ :
- أكتبُ شعرا أوربيّا
جديدا
ليس موت - جوعي الشخصي بعد
وأثناء التجوالِ
عنب ... تفّاحة... بصل
وثوم
-
خبز أسود لقوّة الذاكرة
وضدّ الكآبةِ
وقهوة - اسبرسّو -
للمشي والتحدّث مع الصديقين
دماغي صافٍ...
 
بدلَ أنْ ألتقط الصّور
سأكتبُ أحاسيسي
ربّما قرأها شاعرٌ في القطارِ
ذاهبا إلى عملٍ لا يناسبهُ
ربّما شاعرٌ
يلعنُ الأعمال:
سوى الشعر والحب
يكرّرُ الفشل...
 
ربّما شاعر يريد التبديل
وبدون حب
متهالكا بغير مخرج
ثقل رأسمالية ألمانيا
على رأسهِ
يذهب إلى - هارتس -
ويعودُ من - هارتس-
يذهبُ ويعودُ
إلى اللغة الألمانيّة
 
يحبُّ
يذهب...
يذهب
لغة ... لغة...
لا أحد يفهمُ ألمانيا.
13.09.05












القسم الثاني

قصائد الديازيبام
الشهب

إنني أتألم بما فيه الكفاية
كي أضع نجمة على جرحي
وأنام...
أن أحطم هذه المرآة
وأجرح كامل جسدي.
إنني أتألم
والسماءُ كبيرة واسعة فسيحة
جميلة
ونسمات قليلة تهب على شعري
الشهب إذن صحيحة
إذن قادرة.

سأمرُّ اليومَ
سأمرُّ اليومَ أمام بيتكم
وأرى النوافذَ التي رأيتُها مراراً
وأرى الباب الذي دققتُهُ مراراً
وأرى الدكاكين التي رأيُتها مراراً
وأرى جيرانكم الذين يحبونني
ومن المؤكد لن أراكِ
لن أدقًّ البابَ
وبالتأكيد لن يُدقّ من تلقاء نفسه
لن أنظر من الشباك
وهل أنا طفل؟ نعم ولا
سأفعلُ شيئاً
سأرفعُ ذراعي اليمنى
سألوحُ ببساطة وأمضي
مَن يراني أفعلُ ذلك
سيختلقُ تفسيرات عديدة
ألستُ بارعاً؟
سأملأ ربما ساعات
من تفكيره.

قصائدي القديمة
 
قصائدي القديمة
قصائدي القديمة جداً
أضاعها أصدقاء استشهدوا الآن
في أي جبل ـ ماتواـ؟!
الموت ــ ماذا يعني الموت؟
لا وجود لشيء ـ لا يحسَ ـ فقط الأحياءُ يحسون
ويتألمون
وقصائدي أيضاً القديمة
تتألمُ لأنها أضاعت أصدقاءها القدماء
أولئك الذين استشهدوا في الجبال
آه ـ دموعي تلك ـ في ذلك اليوم
قالوا: بالغتَ. أضحكُ الآن
لقد بالغتُ حقّاً وأصدقائي أيضاً
بالغتُ في فقدانهم إلى هذا الحد
تصدّقون بالتأكيد، ومن أنتم هؤلاء الذين أخاطبهم
أحبّ النساء الجميلات، وهذا لا يخفى أبداً
أو هذا من حقّي.

 
المشطُ الأخضر
المشطُ الأخضرُ
مثل السهل الفسيح في الربيع الماضي
لقد كنتُ أمشي بدون وعي مني
والآن أيضا أمشي بدون وعي مني
هناك بيارات وأحجار ضخمة
هناك أفاعٍ..
كلا ـ ليس هناك أفاع
أقولُ... ربّما هناك أصدقاء ينادونني من هنا وهناك
يحبّونني بحق
آه.. لقد مللتُ التكّلم عن نفسي
دعوني قليلاً
سوف أستمعُ للريح
الكثيرُ الكثيرُ يلزمني.

إلهي

إلهي ـ ربّي ـ الذي في السماء
الذي في قلبي ـ الذي أنا في قلبه
خلقتني ـ نعم ـ وأبواي
والناس أيضاً خلقتهم
وأنا لستُ مثلهم
لا يعني هذا أن أكرههم
رغبتي أن أجد ربّاً أرأف منك

ربّاً يستطيعُ أن يتحمل بعضاً من أعبائي
إنني أتأكدُ أنك تحملُ الكثير منها
وإلا لكنتُ هلكتُ الآن
ولكن ـ ربّي ـ كلّمني أرجوك
كلّما أردتُ ذلك
أنا بحاجة.



مرّي خفيفة
مرّي خفيفة
أتركي مرآتك على الطاولة
أتركي كأسي الشراب
دعيني أحدّقُ في النّجوم التي سالت من الكراسي
ثمّ بعد ذلك
يلومني كثيرون
ينتقدني كثيرون
عيناك صامتتان في هذا المطر
أين أنا مخبأ فيهما
خبئيني أكثر في هذا
لقد أردتُ ذلك
أردتُ أن تنغرز أشواك عميقاً في قدميّ
أحبّك بهذه البداهة
أن أراكِ
فيك أحاولُ أن أخرج منك
وأضمّك
سوف تتساقطُ الكراسي، ونجومها
لن يلومني أحد بالتأكيد بعد ذلك.


أيّ صيف

أي صيف
وأنت فيّ
مرح قاتل، منار على الدرج
تختلفين عني
تشبهينني بالأوراق وهذا التردّد
لماذا تتكسّرُ ما يتكسّرُ كالماء
لماذا تهتزّ هذه الإقحوانةُ
تبدين أكثر شاعرية
أكثر خدراً
ليّنة مطواعة
ويداي ماذا أفعلُ بهما؟
في أيّ جانب، في أي وضعية أصفُهما لك؟

ينبغي أن

 
ينبغي أن أتحدّث عن الريح
والزهور، وأيضاً الماء
فهي يدي التي أكتبُ بها
ويدي التي تركتُها بيضاء في الحديقة
وعيناي اللتان تحلمان
وقلبي الذي يدّعي هذا كلّهُ
الأزهارُ تحدثه عن الأشياء الجميلة
وهو لا يتحمّلُ كثيراً
يتساقطُ ويقومُ، ثمّ
إنّهُ قويّ حقاً
لقد احتمل جمالاً كثيراً
شكراً يا قلبي.

يكفي

يكفي
يكفي
لن أستمع لهذه الثرثرات بعدُ
لقد مللتُ، جلوسكم في الزّوايا
مللتُ من نفسي، لماذا كلُّ هذا الكلام
أبي ينتظرُ أن أجلب لهُ ما طلبهُ منّي
وعيوني منذ أسبوعين لم ترَ فتاة جميلة
وفي الغرفة
المشط الذي أكرههُ جدّاً
و المرآةُ الأكرهُ منهُ
ولكن الفنانين الذين أوجدوا الموسيقى
اللّه ـ حقّاً ـ
أيُّ كلمة استحسان وإعجاب أقولُ فيكم
سأستمعُ إذن للموسيقى
وليغضب أبي.

 
 


أحبّكِ أم لا أحبّكِ

أحبّكِ أم لا أحبّكِ؟
لا أعرفُ، وبالتأكيد أعرفُ أني أحبّكِ

تحبينني أم لا تحبينني؟
بالتأكيد لا أعرفُ، وأعرفُ أيضاً
لا تريدين ترك المكان الذي أكونُ موجوداً فيه
ولا تحدّثين أحداً عنّي
وتجلسين في أغلب الأحيان صامتة
آه.. إنني أختنقُ ـ لا أفرحُ أبداً
الصّمتُ الشجرةُ الكثيفةُ
اللذّةُ الجنسيةُ التي لن تمنحينها لي
وهذا العلوُّ من البلادة
الذي يوميا أرتكبّهُ.



المراكبُ المصوّرة


المراكبُ المصوّرةُ على الحائط
إنّها جميلة، فوق إحداها قبعة صفراء
ليتها كانت لي
والبحر أيضاً، وهناك حانة في الأعلى
سنجلبُ نبيذاً خفيفا
ونتكلّمُ عن الفتيات العذراوات اللواتي ضاجعناهن
الليلة الفائتة،
ثمّ نمضي.
القنينتان الفارغتان والكرسون الذي سينقلهما
إلى موضع محدّد
هل من المهم التفكيرُ في ذلك؟
من المؤكّد كلا.
سنغني طويلاً
هل نعرفُ أن نغني؟
سنرقصُ طويلاً
هل نعرفُ أن نرقص؟
مع ذلك سنرقصُ
كي ننام بالقرب من البحر
والقوارب وخاصّة القبعة الصفراء تلك.


ينبغي أن يكون
ينبغي أن يكون هناك شيء آكلهُ
لقد تعبتُ من الكلام
وتكلّمتُ عن قصائد لم أكتبها بعدُ
عن أسفار لم أقم بأقلّ اجراء كي أقوم بها
مع ذلك أنا عازم أن أسافر
لوحدي طبعاً
لا أستطيعُ في هذه الفترة أن أصاحب أحداً

من المهم أن يكون معي ما لن أقوله لكم
ثلاثة أشياء هامة جدّاً
وإلا لن أستطيع السفر
هل هي أحجية
الأجملُ منها هو أن أُعدّ حقيبتي
ولأقُل أنها رصاصية
هكذا خطر ببالي...

ستفهونني بالتدريج

ستفهمونني بالتدريج
ولكن اقرأوا هذا الكتاب أوّلاً
اخرجوا في الساعة الثالثة ليلاً واصرخوا في الشوارع
اكسّروا أيّ زجاج أو أيّ شيء تصادفونه
كونوا أقوياء كما نصحكم نيتشه
وفي أية زاوية تختارونها
سيراكم حارس كهل
سيصفّرُ بقوّة بحيثُ
تسقطُ السماءُ على معدتكم الفارغة
بالتأكيد...



المساءُ يضحكُ

المساءُ يضحكُ كثيراً
مثلي ـ مثل المساء أضحكُ جّداً
تتساقطُ من فمنا النجومُ
فيركضُ الناسُ خوفاً
آهٍ.. إنّهم يخافون النّجوم
إذن لن نترك الضّحك
حتى الهستيريا
لعلّهُ من المستحسن أن يحمل الناسُ مظلاّت حديدية
كي تقيهم نجومنا الجميلة بحق.

 
لماذا لا يفهمُ الشعرُ

 لماذا لا يفهمُ الشّعرُ هذا الشيء؟
لماذا الشّعر غبيّ إلى هذه الدرجة؟
الفتاةُ الجميلةُ ليس بمقدورها أن تأتي
بمفردها إلى غرفة الشاعر
الذي يحتاجُها جدّاً جدّاً
ناس، جيران، أهلها، الجميع
أوّاهٍ..
المشوار الطّويل في الأحياء البعيدة
الشجاعةُ أجملُ شيء على الإطلاق
خنجر مسموم قوي في البطن
وها الفراشاتُ والأزهارُ التي
كنّا نبحثُ عنها
دفعة واحدة.

كان لي صديق

 
كان لي صديق جميل
له شعر طويل
وسنه صغيرة، وكتب في كوخه أنني حقير
قلتُ لهُ بعد صمت:
ـ الحقراءُ هم الآخرون
لم يردّ علي، وكنتُ أريدُ ذلك
ذهبنا إلى الينابيع.
أصدقاؤنا الآخرون خلعوا ملابسهم وغطسوا في
المياه وتمدّدوا فيها
أنا وهو جلسنا بعيدين عنهم
كنتُ أحبّهُ جدّاً
وكلانا كا لا يتقنُ السباحة
غبر أنّهُ كان أصغر منّي
وكان شعرهُ أطول من شعري
فعلاً
كانت هناك نباتاتٌ وسنابلُ مذهلة بحق.

أشياءُ عديدة

 
أشياءُ عديدة أريدُ أن أقولها
فمنذُ مليون سنة لم أتكلّم
وذلك كما ترون صعب
وما سأقولُهُ سيكون من الصّعب عليكم أن تفهموه
لذلك
النّجومُ بعيدة وجميلة
وأمي حنونة
وهذا القلم جيّد
والصباح سيأتي بعد هذا الليل،
وأنتم ستتغيّرون نحو الأفضل
ـ هذا ما أشكُّ فيه ـ
شكوكي دائماً في مكانها
وأنتم أيضاً في مكانكم
كلوا مع آلامي التفّاحات،
اضحكوا مع هذه الأشعار
ودمي اسكبوه
لطّخوا كلّ شيء
يا لكم من فاسدين
تعساً.

مثلما في كلّ وداع


مثلما في كلّ وداع  يا أمينة
سأبكي وأريدُ أن أموت على سريري.
مثلما في كل وداع
ولماذا أسمّيه وداعاً
مثلما في كلّ موت
هكذا يا صديقتي ــ يا صديقة طفولتي تتركينني
يُهزأُ بي ــ أنزفُ من أحشائي الدم
أفقدُ وجهي أمام الناس الذين أحتقرهم
هكذا وهذا أهمُّ شيء
منذ سنوات وكلّ يوم حين أعودُ إلى البيت
في أواخر الليل
أعلمُ أكيداً أنّك جميلةٌ جدّاً
جميلةٌ جدّاً.. ولست لي.
صيف 1995، عامودا.


صلوات
 
 
الحوشُ الصغيرُ
خلف أصابعي النحيلة  
ذلك الحوشُ  
نباتاتهُ طويلةُُ
غامقةُُ  
تتذكرُ
----
العصفورُ
- لم أجد عصفورا منذ سنوات
بين التراب
وبين شقوق الأفاعي
----
نتدفأُ
كما لو اننا عشنا كمية من الشتاءات
نحزنُ
بعمق في السطور
ونكرهُ جسدنا
 
----
أُشبهُ أن أنحني ببطء
لأجد قلبي
الذي نثرتُه
بهوادة
---
أُشبه أنْ أميل من الخريف وألمه
ليعبر
وأنْ ُأنكر ثيابي
وشفتي
وأصابعي
أنْ أُنكر أسناني
والغائبة منها
وأنْ يمشي ضوء ما
بجنبي
ولا أدرك
------
كأنما الصيفُ الوديعُ ينتظرنا
فلا نُسرعُ  
كأنما الخريفُ الأليمُ
يلعبُ فننظرُ
والربيعُ ذاك
حيثُ سقطتْ الشفاه المليئةُ  
الشتاءُ النحيلُ الداكنُ
العاشقُ الأولُ في الصف ينظرُ خلالهُ
يتذكرُ جسدهُ
أثناء الدرس
----
إنني أجدُ هذا المفتاح
كي أجد
هذا البيت الطيني
----
أعرفُ قوة الشجرة تلك
التي تتساقطُ أغصانُها
وكأنها أمهات على الحائط
---
 
---
----
أدمرُ هذا السياج كي أرى ما وراءهُ  
لا أقفزُ فوقهُ
----
عيناك يا حبيبتي منذ عشر سنوات
أصبحتا تلك
الحديقة
ربما أصبحتا
ريشة يهبُ فيها هواءُ االقرى  
ربما الرطوبة والشمس
والقليل من صياح الديكة
والقشُ  
لا يُحتمل
----
في هذا الشتاء  
ينمو
الشباكُ  
المدرسة
----
السنابلُ التي حضرتها
كي أغتسل بإبرها
من حب قديم
----
 
------
 لن يُطاق هذا الثلجُ النادرُ
وحُفنُ العصافير الكثيفة الضجرة
من حياتها
----
الكرسي في الباحة  
كأنما هو ضيف
يستحي بعدُ أنْ يدخل
----
رأيتُ عينين  خلف باب ما تبحثان عن
عينين أُخريين
تنظران إليهما
----
رأيتُ النعناع
والقصعة المخبأ فيها  
في الأعلى أقداحا  
السكاكين في صف ما
في الأسفل
قميص ما
يشتعلُ فيه الدم
----
ألفُ لك
على أصابعي
مئة نجمة
---
لا أعرفُ
-أنت دخلت فجأة
حيثُ تكومتْ منذ بضع سنين
أزهارشديدة هنا
---
شاهدت
قميصا
أبيض
للحبيب  
 
----
الوردة  
المزهرية الطينية  
كرسي
تحت السحابة الكبيرة
---
كلُ تأوهات الصيف
- أنا وأنت
حتى الفجر
كنا ننظرُ الى الأحجار البارقة
بلطف
---
أنت معشبةُُ في قلب  
أنت مثل
---
كيف أتقدمُ  
تتعلقُ بي العصافيرُ
كأنها أولادي
---
أتعبُ جدا
لدى يديك
وهما تمسكان باللعبة
من قلبها
---
أشمُ الطريق
الذي مشيتُهُ
قبل أعوام
----
---
جامع
في الزقاق الماضي
الى الصلاة
---
---
أنت الفضة في ساقية  
لم أعد أستفيق
----















القسم الثّالث
تمشي كأنك مطرٌ

تجيءُ كأنك عصفور
تنظرُ بعينين مائيتين
الدرجُ الذي نسيته بين صفحات الصيف
الصديقُ الذي تركتهُ في الشارع - ذلك الصديق بذهبه
انحدارُ أشجار التوت الكبيرة في باحة المسيحيين
الطرق بمظاهرات الشمس القوية
كل اولئك الأطفال الخارجين دفعة صارخة من المدرسة
شاحنات الحمالين كانوا يترافعون بقبضاتهم ويسخرون من المساء
أو يتضاربون بالبطيخ والماء
السوق في أيام قبل العيد - تُذبح قطعانُ البقر ويتدلى لحمُها أصفر
- أثناء الحب - تمرُ الفتاةُ التي تحبُها وتجرُ عنقك أخيرا
في الريح والطلع
وتسألُ صديقك -
ثم الغيمة التي تنشرُ مظلة داكنة
كي تستطيع النوم
اجلسْ على الدرج - عُد مارة صلاة العشاء
اعزف أغاني  الفتاة التي رميت أنت وصديقك نفسكما أمام بابها صباحا ليلا
فكر في زيارة الى جامعة حلب لتصطاد وحدتك الحقة
أو خططْ أنْ تزور قرية نجارة الاسبوع القادم وليسلْ لعابُك عند الخيار الصغير الطازج
وكيف شرطت يديك في الشارع الرئيسي في القامشلي
وكيف شرطت قلبك في الشارع الرئيسي في القامشلي
والحنان الذي تحسه امنحه للقطة
حين يأتي صديقٌ تضحكُ قويا كأنك لست هنا
انهم لا يعرفونك - جسدُك من غبار الذكريات وأنت بينهم
فمُك يُشبه صلاة قادمة من جبل بعيد ولن تمكث بينهم طويلا
يداك جناحان لا يجلسان
وصوتُك غريبٌ بينهم وجفناك قشٌ مكثفٌ وعيونُك ماءُُ وحبك قريةٌٌُُ
تفكرُ أنْ تذهب الى الشتاء، أن تُخرج أغصانه البنية الداكنة من سر آلامها
أن تعبث بصوف الغيوم وتغرس فكرك كعود في البرية المنتعشة
أن تقف هناك بالقرب من ماء قليل متجمع في الحافة وتسأل
- منْ أنا أيُها الشتاءُ الصغيرُ ؟ منْ أنت أيُها الشتاءُ الأبُ
ومنْ هذه البريةُ المظلمةُ ومنْ هُم البشرُ وما هو سرُ أجنحتهم المقصوصة
وثم تنظرُ في يد أو عيني صديقك
التلالُ التي تتماوج كأنها ريح
تتماوج بالأخضر الخفيف
التلالُ تنزلُ في قلبك كأنها الى باحة
تتركُ عفاريتها وديدانها وشباك نحلها هناك
تتركُ سكيريها وقنانيهم وصخبهم عند بكاءك
تُشبهُ النوم
وكرومُها يتدحرجُ عنبُها على عيني
وهل - أبتسمُ
- ماذا تفعلُ في البيت طوال هذه الشهور
- أكتبُ قصائد
التلالُ الغنية بجذور العنب
أطرافُ شارع الدرباسية الغنيُ بمطر متجمع منذ اسبوعين
قلبي الغنيُ بصلوات طائر  في قفص
- انهم يكتبون ذكرياتهم
انهم لا يعيشون؟؟
يحملُ أحدهم علبة تراب ويرشُ عليها عطشه
كي يغني
- لا أحتاجُ الى هذا
الشتاءُ شباكي على البكاء
الصيفُ قمري على المسجد
الأطفالُ صخبُ الجدار
والباحةُ جدتي وحروفُها من تراب أحمر
ولحافي
خلال الأسابيع التي كنا فيها أصدقاء قريبين جدا نسينا أنْ نضحك
كنا نُحبُ بعضنا ، كنا لانتركُ بعضنا
كانتْ يدانا لا تتلامسان وتبكيان في السر بجمال ما
كنا نحاولُ سراأنْ ننظر الى عيوننا
كانتْ
تنخفضُ سريعا
ونمنا بالقرب من بعضنا
وأنا لم أستطع النوم
ورأيتني صباحا ورأيتُك وقميصك وشعرُك وانفتاحُ الباب والوقتُ بألسنته الغريبة
ننحني لنبحث عن روحنا في الطريق
تصطدمُ يدنا بخرير ما
تصطدمُ يدُنا بنبات نادر
بمزهرية
بصخب
بجوقة أجراس وخبز
نعودُ وقد أمطرنا الفجرُ بآلاف أكواز القُطن
والسحابة بآلاف أجران النوم
والريحُ بسقف كبير من النحل
متعبين قليلا من التفكير
نريدُ أن ننام
نريدُ أنْ نجد الحب في الطريق
يداه مجروحتان
شعرهُ متطايرٌ في الغد
شفتاهُ محمرتان
والخجلُ يتدافعُ
من بطنه .
























أَنا الزَّهرةُ،  التي وضعتْ نفسَها على شفتيكِ، وطلبتْ أن تقبليها

يجبُ أن تهبي لي نفسك كلَّها، كي لا أتعذب، يجب أن لا يبقى لديك أيةُ إشارة لغيري.
يجب أنْ ينفتح وجهكِ، وتخرج الشمس التي تعذبني في اليقظة، حين تضحكين،
والقمرُ الأبيضُ الجميلُ القاعد تحت قدميك الرقيقتين بخوف. أنتِ مليئة بالارتعاش البارد.
قلبُكِ تحتَ يدي كأنه عصيرُُ، يأخذه فمي، مبكراً، أو متأخراً، وأنتِ تدرين أنَّ خوفك ينتشر على سهول "بريفا"، "موزا".
تعرفين أن هاتين اليدين اللتين تقبلان أنفك، والغموض الناحل تحت جفنيك، هما يدا قشٍّ؟
أتدرين أنَّ جسدك الناحل القويَّ قليلاً، المرغوب فيه، المشتهى في الأبدية ضريحُُ ما؟؟
أنت تخافين حقاً، حين أتكلم عن الأضرحة، أنت لا تنظرين إليّ حين أبدو هكذا حزيناً، وأقول لك
إنني مشتاقُُ إلى أمي، وأنني أمتلئ الآن بالدموع، بينما أنظرُ الى صورك قبل عدة سنوات ، خبَّأتها بقوة كي تفجري قلبي تحت أرجل كراسي مطبخك الواسع كصالة رسم.
أنت جميلةُُ، كأنّكِ امرأة كردية، نسيتْ  لغتها، وجاءت إلي لأعلمها الحب.
أنتِ غارقةُُ في أحلامي، كأنك في مستنقع من الأزهار والريح.
أنت واضحةُُ، وغبيةُُ، وجميلةُُ، لن تكفي السنوات كلها، أن تجعل مني بعيداً عنك،
وأنْ أنسى مستنقع الأزهار الذي غرقنا فيه مائة سنة.
أنت تتذكرين، كيف مرتِ الحُبارى والناقوسُ، والساعةُ تحت لغطنا المميت، مرري بلسانك
الفاتح تحت أسناني الصاخبة، وهي تعض الزمن، كي تبقي بجنبي، وحين تدق شجرة ما أو تدق نبتةُُ ما، وحين يحلُّ علينا الغرامُ بقوة، لا نعرفُ كيف نخبئ زنابقنا وأيدينا ووجهينا في وجه واحد، في مشية واحدة مع الغابة، في ضحكةٍ  واحدةٍ، تخرج عارية إلى الممر، كيف تضحكين؟ كيف تلقين بهذه الأشعة الفولاذية المتحركة على قلبي في الغيرة؟ هذا الولد المتراكض في حلم "عامودا"، وعلى طرقات يديكِ، الآن، تمسكينَه من قلبه بعنف قليلاً، وهو يأتي إليك، كأنّه يعرفك منذ عشرين عاماً، كما كتب إليك مرة، وكما أرسل إليك كلَّ رسله الطيور، التي كان يضربها البرد في كل اتجاه، وكما كان يتمسك بك، بفستانك، ويقبلك فجأة، كأنه رأى حلماً فيه يخسركِ خسراناً. كيف يفتح صندوق قلبه الزجاجي ذا المائة قفل والمئتي مفتاح؟ كيف يرمي ذكراك على الشارع، وينظر إلى الورود والشبابيك ودروب الغابات؟ كيف يمضي إليك ولا يجدك؟؟
أيتها العائلة، أيتها الغابة!
كيف يدنو منك مجازفاً وخائناً وكسولاً وعالماً أنك يجب أن تتركيه، عالماً أنه يفقدك كأنّما يفقد يديه وعينيه، ويجب أن يقف كبطل تحت صفوف من المشاريط؟؟

والشمعة الذاهبة في روحك غامضةُُ بعد الظهيرة، لسانك مفتاحُُ، وبقية دهن، ومخدةُُ، وقلبك مقهى الماء، وعيناك صاخبتان وكسولتان، والحب الذي يشرق منك هو أنت وكل جسدك غرام، وجسدك قبل شهر كان يأخذني بغفلة، وبغير غفلة، كان يأكل أنفاسي، وأنفاسي المتماوجة من ضغط السجائر، والوردة المضرجة بالرغبة تأكلني، أيضاً وحبك مخيف وحزين مرة ويناديني دائماً، كأنه موتي، وكأني ميت لا أسمعه، وأسمعه، وأبكي لأنه وحيدُُُ.
أنت وأنا، وأنت وأنا، وأنت وأنت...؟؟
كيف نمشي؟ يدي في يدك، أو عيناي على عينيك بقوة هذه الظهيرة، أيتها المرأة المجازفة بكل شهوتي إليها؟ كيف نمشي حين نرى أنفسنا عاريين، نقبض على أول وجع يمضي منا، ونحرك أنفسنا لنعلمَ أننا لم نفقدْ نفسينا إحداها في الأخرى، في بعضنا، وأننا في هذا السرير الليلي، طائران يبحثان عن قفص، كي يضربا بجناحيهما الممتلئين دماً بالقضبان، ويلتقيا، المنقاران ممتلئان دماً، الريش يضخّ دماً، والروح ممزقة إلى آلاف الآلام.

سُمُّك الدموي هذا الذي أشربه يومياً، ويكسر أحلامي، ونومي كأنّما عقوبتي أتلذذها، وأنت تتكاسلين أن تفتحي يديكِ اليوم.
أنت غائبةُُ في صفيح كآبتي، وأتنفسك كأنما كنتِ  لي صنماً في كهف عميق، كأنما كنتُ أقبّل صنماً،
كأنما كنتُ أحضن صنماً جائعاً، وكأنما أنا ميت على ساقيك المسيحيتين المضمختين بالصلبان، المضمختين بآلاف الرجال الذين غرقوا... عندك
وأنا جريحُُ أبدي،
أنتِ قفصُُ أبدي،
وقضبانك أبدية، وجسدك باردُُ ومخيفُُ، وقلبك باردُُ ومخيفُُ، ويلعنني في الصمت الأعمق، وأنا أبتهل إليك، كأنما كنتِ كنيسةً، أو محراباً من اللحم البشري.
لستِ حجراً، أنت أمرأة جميلة، لستِ طائراً، أو نبتة كما كنت تسمّين نفسك، أنتِ لبوة تفترس رأسي وقلبي. أنتِ أكلتِ قلبي... أنتِ أكلتِ قلبي، أيتها المرأة الجميلة،
ثم استدرت، ولم تعرفيني.

وها صمتك هو أجمل صمت، وها لعبتك هي أجمل لعبة، وفمك أجمل فم، ويداك أجمل يدين، وحسرتي أجمل إلى جانب حسرتك، وأمرّ بيدي على شعرك، لتبقي لي، وأقرأ الفاتحة على بطنك اللين، ليحبني بعمق أقوى، وأقرأ ثانية الفاتحة، أو شيئاً آخر، لنبقى جنبا إلى جنب ، طوال هذه الظهيرة القائظة، وتغطينني بفمك، بشفتيك، هذا كل ما تملكين تعطينه لي، تعطين ماضيك لي، والمستقبل....
وها كلامك أجمل كلام، واسمك أجمل إسم، وضحكتك ترافقني كمجزرة وربيع،
وفيما أمشي أصطدم بنفسي عند باب بيتك، فأفتح أكثر الجراح نشوةً، وألقي بي في الإرتعاشات
لأرى خيالك يودعني، ويبتسم في أول مرة..
أيتها الخائنة العظيمة!

لأرى المدمنين على الحب، يحفرون حناجرهم بالقرب من الجسور، بالقرب من وحوش عزلة الكراسي والنباتات المزروعة تلقائياً هنا، أراهم مثلي يضحكون، أو يقرأون خطوط جباههم التي اكتهلت قبل الأوان؛ يقرفصون هنا لآلاف الساعات، يدخنون الماضي، كأنّما ليسوا هم الذين أحبوا أمهاتهم بجنون، ثم أحبوا امرأة ما كان يجب أن يحبوها، أو كان يجب أن يرموا بأنفسهم في شهيق آخر، لكنهم فعلوا، لكنهم هكذا فرشوا مياه بواطنهم كمرآة ما، بغير خوف، وكانوا هكذا واسعين، ويشرقون، وكانوا هكذا غرباء، ويؤمنون بالضحية. قالوا نريد أن تعرفَ فينا النباتاتُ أسرارَها البشرية، البشر نريدهم أن يعرفوا جذورهم الشجرية، وقرابتهم إلى الطير، كانوا واسعين مثل سماء، بغير أن يزينوا قلوبهم بأي دواء، وصفاءٌ ما كان يرفرف على أيديهم، وهو يلوحون لغزالات دواخلهم أن ترعى في هذا الفضاء، مثل طفل أحبوا كل امرأة كانت تنظر إليهم ، وإذا ابتسمت إحداهنّ، كان غرامها يمزقهم  لست سنوات طوال. نسوا أيديهم، ظنوها للتلويح والملامسه، وتقبيل الوجنات، نسوا عيونهم، ظنوها للترقب والترقرق في لحظات الحلم المخرب الجميل، وغنوا، ورقصوا بفمهم مثل ناي، ناموا وهم يتهامسون عن غد، عن شموع مرفرفة على الصور، كانوا شجعاناً كمثل فراشة، ربما ممتلئين بالخيال، مستعدين أن يختلقوا مائة شجار للدفاع عن مفهوم الوردة.
استيقظوا مبكرين جداً، أحياناً لينظروا في قلوبهم، صنعوا من أجفانهم صحوناً ملونة، ومن أصابعهم أوراقاً غائبةً، وتمددوا هكذا تحت الجسور، من يمر يحسبهم مأخوذين بطغيان المخدر وزبيبه، لكنهم يعرفون أنهم  لن يستيقظوا  أبداً، سيظلون ممددين وعيونهم مفتوحة، أياديهم مبسوطة وقلوبهم ملقاة هنا وهناك، عليها آثار غبرة ما، آثار كآبة لم يتصنعوها، إنما جاءت إليهم كضيف، هكذا، يلهج كل منهم باسم خاص به، يجده طائره، أو ربما أرضه، ربما بيته، ربما شيئا آخر غير هذه العزلة الفظيعة التي تمضغ قلوبهم، غير هذا الغبار البارد القليل الذي يملأ الآن جوانب روحهم، فلا يستطيعون النظر جيداً، إنهم علمُُ هناك، جمعهم شجرة قلوبهم ثورةُُ، غبارهم ماءُُ، عيونهم مرجُُ. كسالى قليلاً. لكنهم شبانٌ، لكنَّ أرجاء العالم كلِّه تدقُّ في بواطن أكفهم.
انهضوا أصدقائي.

تأخذينني وتجيئين بي إلى فمك الضعيف، كشمعة ونعيم، تتلونين بالغضب والحب، وأعرفك في غضبك كامرأة تحبني من عمقها، وفي الحب أيضاً أعرفك بجسدك المضيء، كغرفتك التي أشعلتها بالشموع ذات ليلة، ويلومونك، لأنهم لا يعرفونني، وأنت تلومينني لأنك تريدين أن تكوني في قميصي الليلي، بصمت تريدين أن تقضمي قلبي ورئتي، أن لا تبقي أية التفاتة لغيرك، في غضبك تصير اللحظات القليلة التي نملكها مستعبدة، وتصيرين سيدة في منتهى روحها، هل أشدّ على يد غضبك، وأقبّل فمك الجريح كثيراً كثيراً، وأصابعك التي تتوسل إليّ، حبك الذي يتوسل إلي، ولا أبالي به، كل منا يجري في زقاق؛ حبك الذي جرّحني بسكينه، وأنا الذي يقطر قلبي هنيهة هنيهة،
كيف نتصالح؟
أصابعك هي خيوط قوية، أتسلق إلى عينيك بها، وأبني هناك عشاً ما ومثل طائر ربما، أنقر قلبك حين ينام، لأقولَ أني لازلتُ أغني، وربما أنزل أحياناً إلى صدرك، لأمسح عنا الخجل، الذي لفّنا بحجارته لشهر، وربما خطر وداعٌ ما بالقرب من شفاهنا، فمضغنا شفاهنا، وحاولنا أن نبقيَ أثراً عليها، في الحقيقة أردنا لقاءً أكثر، جسداً أكثر، وربما في حفلة ما، أو فلم سينمائي ما، حاولنا أن نصمتَ، لنسمعَ إلى أي حد نحب بعضنا، وانتظرنا الآخرين أن يتحدثوا عنا، هل نستطيع أن نلغيَ الآخرين في حبنا؟ هل نستطيع أن نضربَ بحقد على يد حبنا الحزين بعد عدة أشهر، ونمنعه أن يسرقَنا؟ هل نستطيع أن نشهرَ أقوى ألم فينا؟ ونقول لبعضنا: وداعاً فجأة، وأن ينحنيَ كل منا على جرحه الكبير، يبحث له عن عشب؟ هل نستطيع هكذا أن لا ننام معا في سرير ضيق ، بحيث نتنفس بأجمل شهقات إلى ليل متأخر، ويسمعنا الحب ويضحك! أنستطيع أن نسببَ  لجسدينا كل هذه الصحراء؟
أن نسبب لجسدينا سوقاً طويلاً من الفؤوس الحادة، قصّابين مهرة، سيوفاً تبرق، أيديَ تمتهن القتل والجريمة، أصوات دم أسود، يجري على أطراف الشارع، خيوطاً معدنية تشتد على عنقينا، خنجراً مثلوماً بطيئاً ينخر عظامنا الضعيفة، وغيوماً قاحلة ؟
أنستطيع أن نرميَ بأرقّ الجمل في أقصى نكران؟
أن نولدَ الحقدَ في قلبنا؟؟

أنا السحابة التي حطت على يديك، وطلبتْ منك الماء والعشب، أنا الزهرة التي وضعت نفسها على شفتيك، وطلبت أن تقبليها، أنا وقتك الذي ترمينه في الكسل والنسيان، أنا الشارع الأبدي الذي يمر أمام أدراج منزلك، أنا الصحوة واللهو، أنا حبك الأول والأخير، وحين تنامين، أنا الشمس التي وقفتْ في سريرك، ونامتْ سبعة أشهر على بطنك الألذ، أنا اليدان اللتان شدّتا الأزرار في قميصك الداخلي، وفي معطفك، وكنت ميتة من الابتسام والدهشة، أنا الذي شبهك بنفسه، ونام على يديك، وأستيقظ على يديك، وجعلك شيئاً ما غامضاً يلهو بروحه، جعلك أدهى خسارة لنفسه، أنا من انشغل في مدّ وربط وحياكة كل هذه الأسرار، ووقف يتأمل، لم تعجبه كلها، كانت لا تناسب تماماً النار، فأشعل نفسه في أن يخسرك.
أنا حبُّك الأخير.
أنا حبك الأول.
أنا مرآتك الأصفى حين تحدقين إلى آلامك الأشد.
أنا ماؤك الذي كان يشربك.
ظلك الذي كان يمشي أمامك،
وينير أرجاءك الأنثوية،
وقبلتك، ويديك،
وخفقة ابتسامات، ورضى.
أنا الخارج للتو منك، لا يعجبك هذا بالتأكيد، أنت الخارجة مني للتو، لا يعجبك. أنت صيفُُ، أنت دراجة، أنت ورقة، أنت حبُُ، أنت شهوة، أنت طعام، أنت فاكهة.
أفتقد شفتيك بموت في هذه اللحظة، أفتقد بطنك وثدييك وظهرك بعظامه الظاهرة قليلاً، ساقيك البهيجين، ما تحت شفتيك، أنفك وأساه، غيوم وجنتيك وقدميك الفضيتين، أصابعك الخفيفة، أفتقد أن تقولي لي إنك تكرهينني، أو إنك لا يهمك كل هذا، أفتقدك كأني أُولد بدونك كل مرة، وكان ممكناً أن نولدَ سوية من بطن واحد، وروح شبيهة.
أفتقدك كأنك شمعة، أحرقت رقبتي، أحرقت أصابعي، وجعلتها شبيهة بالأحجار والنباتات، كأنك شمعةُُ أنارت صخبي وخوفي، وغنّتْ في سريري، وأدفأتني، أحرقت نفسها، وأحرقت قلبي في أسنانها، وأجدني هنا محترقاً بالتشبيهات التي أختلقها يومياً في سريري، وأجدني محترقاً جنب جسدك الذي كنتُ أحسبه ضعيفاً، وقلبكِ،
وأحتاج غطاء يُرمى على ماء جفوني،
وأحتاج رائحة الأزهار القديمة تنثر على كفي وجسدي الطويل،
وغمغمتك، واستفاقتك صباحاً، وأحتاج جملة ما تذكرني أني عندك، وأن الهواء الذي نتقاسمه، هو الهواء الجميل الذي بقي في الغرفة من الليلة السابقة، أو من الشهر السابق، الهواء الذي مازالت ظلالُنا الماضية، ودهشتنا الماضية تتحرك فيه، و اقتراباتنا وحنيننا.

يأخذونني، ويأتون بي إليك، تنظرين إلى وجهي بخفة، يأخذوننا ويأتون بنا إلينا، يرى أحدنا الآخر عن قرب، نتشابه في الحب؛ يأخذوننا إلى المقهى، ويتفرجون على حبنا الذي اكتشفوه للتو.
هل يريدون أن يدمروه؟ هل يحبون حبنا؟ أم يلهون به؟  يكتشفونني في الغابة، ويتحدثون عن قلبي، قلبي المتبقي تحت الشمس، رئتي المتبقية على الطاولة، لن تكفيهم نظرةُُ سريعةُُ واحدةُُ، إنهم يدهشون، أنا لهم غابة، أنت لهم غابة، حبهم يشبه حبنا، وحبنا الذي خسرناهُ... كيف يعبّرون أنهم جرحى أيضاً؟ يريدون أحياناً أن يمروا سريعاً أيضاً، دون أن ينظروا، تضربهم الغيرةُ أيضاً، إنهم مساكين مثلنا، ربما أكثر منا، إنهم رجالُُ فقدوا الشجاعة ربما إلى الأبد.
إنهم رجالُُ أذكياء جداً، أريد فقط أن أضحكَ من ذكائهم، ومن آلامي.

يأخذونني ويأتون بي إليك، يضعون كفي على صدرك الأبيض، يدفعون رأسي لأقبلك، يجعلونني، أتنفس، لكنهم لا يفلحون، يقدمون لي كؤوساً من الخمر، وأطعمةً لذيذةً، يريدونني أن آ كلَ. إنهم يحبونني جداً، ويريدون أن نستمرَ نحن الاثنين في حبنا.
والأزهار! يبتاعون آلاف الباقات منها، ويدفعونها في يدي، لكنني أختنق بها، ولا أراك، وأراك قليلاً، فتخنقك أزهارهم الطائلة أيضاً، لا ييأسون، يجلبون المزيد من الأزهار، وينتظرون سنواتٍ مديدةً.
اللعنة... اللعنة
كيف أضرب بقلبي في عرض سكين أكثر ألماً من هذه؟ كيف أضرب بأصابعي في صفعة أكثر من هذه؟ وأركل أزهار خبثهم، واللعنة المترقرقة في أبدانهم ؟!

وأتأملك كأنّما خرجت اللحظة من الماء، ترمين بيدي عن يديك، فتنبتُ صخرةٌ بيننا، نجلس على الصخرة، ونقبل بعضنا البعض، لا يعرف بعضنا البعض، فقط شفاهنا تعرف الطريق السري، والرمز الدائم، والروح كمشعل صلب، يحفر يومياً في أعناقنا الثقب الهائل، والحزن المتخمّر يومياً.
فقط الشعلة التي تنير، ربما من كلمة واحدة، ربما من نظرة، ويتبعها الظلام والحيرة والندم، وقدماك تحوّلان طريقهما مني، ووجهك يحوّل وجهته مني، وأصابعك تستلقي في بُعْدٍ آخر، وثيابك تتبعثر، وحبي يتقمص، والطيور تضجُّ، والنوافذ تتلعثم، وشفتي تجفّ، ويدي لا تكتب، وسريري... بدونك.
أنت هذا الفضاء، أنت هذا القفص.
عصفوري بجناح واحد، أعطيه يدي كي يأكلها، أمسح على منقاره بليونة، أفتح فمه، وأضع أغنية فيه، الوحل العالق في ريشه ألحسه بلساني، أضمه، أقول أنت نبتةُُ ليستطيعَ النوم، أقول له أنت طريقُُ في الهواء، ليطيرَ، أقول أنت ابني ليعرفني؛ عصفورى الأبيض النحيل، الذي يضع منقاره على شفتي، كي أقبله، وأبعث فيه الدفء واليقظة، عصفوري الذي أقول له أنني أحتاجك دائماً بقربي، أعطيه أحياناً حليب جفوني، ونومي، أعطيه أحياناً سريري، ومخدتي، وأشم ريشَه المتعب، قلبَه الصامت، وعينيه الكسولتين.













القسم الرّابع

الباب

لستُ الوحيد الواقف أما م هذا الباب الزجاجي؛ كلّ الذين وقفوا أمامه أضافوا شيئا منهم الى اطاراته أو قليلا من صبغ فرشاتهم؛ بعضهم أقاموا قليلا هنا، فقط، وقفة سريعة وبعضهم لا يزال هنا، جلب بيته الى هنا، ويستمر في النظر الى البقايا التي حفرتها حشراتُ روحه هنا وهناك أحيانا في زوايا لا يراها سواه. تقريبا كل الذين جاؤا، فعلوا الأمر نفسه لكن كان بينهم القليلو الصبر كانوا يقولون:  هناك أبوابٌ أخرى . فلم يطيلوا البقاء والأخرون القليلو الموهبة فرشوا سجاداتهم هنا. وحتى كنت تظن أنهم يبتهلون الى هذا الباب والباب في سمعته هذه الرائجة أصبح هدف الكثيرين. أصبح يشعُّ من احتكاك أقلام القادمين، صار ذا ألوان شتى ولم يعد بابا فقط. أصبح مثل لوحة ما، عليها كل الرموز وجميع النقوش؛ من نقش القدماء الى النقش الحالي. لا أعرف، حين وصلتُ اليه، وجدته ثقيلا بألوانه والعطور الحادة التي كانت تفورُ منه؛ وجدته ثقيلا بالتاريخ الذي كان كلعاب يشعُّ في أنحائه أحسستُ برغبة حادة ألا أراه ثانية.


الصّمت والنّسيان

رأيتُ أن نفس السكك الحديدية، تلك ذات الألوان الباهتة قليلا حيثُ كانت القطاراتُ لم تعد تصل الى أنفاسها تنامُ أو تمتدَّ بغير سبب غير شاعر يجلسُ على المقعد القريب منها بدون مظلة لهذا المطر الغزير في الصيف. ربما؛ هذا الحديدُ الممتدُّ لم يعد سكة، انما لوحةٌ تركتها يدُ العواصف الحديدية الغاضبة التي مرت من هنا. دمرتْ بعض البيوت ونسيت خواتمها الحديدية وربما تكون هي الأزهار التي تنفست منذ القرون حيثُ الوهج الغزيرُ من تنفسها الرطب صار هذا اللون الباهت، لكن القوي الشرايين. دفعةٌ من الأزهار من هذه السنة ودفعةٌ من السنين الماضية تختلطُ أحشاءُ وأعضاء الأزهار الجنسية؛ تتفتتُ بهدوء وبلذة الى جانب هذا الترك هنا ويُتركُ لنا، نحن البشر، الذين نجلسُ هنا بنسائنا وأحزاننا التي تراكمت في عيوننا كالحقائب والجمال. ويترك لنا هنا ذلك الرومانس بنظارات ملونة تحدقُ الى الأزهار نظرات خاطفة بحيثُ لا يحسُّ أحدٌ بهذا الغرام الحزين، لكن القوي. أو نرمي بأذرعنا على نسائنا وهنَّ ممتلئات الحلوق بالكآبة التي ورثنها من أمهاتهن وهنًّ أيضا وحيدات مثلنا في فم العواصف وبالقرب من المقاعد التي لا تستطيعُ الكلام. صديقات رجال يتدمرون في المشي  وأثناء قراءة قصائدهم السابقة التي كُتبتْ منذ سنين. هنا في حضن هذه السكك وأزهارها التي تدعي الصمت والنسيان.


قارةٌ مجهولةٌ

نرى العيون المستيقظة من المشي أو هي ترانا ولكن لا تستطيعُ أن تميزنا جيدا فقد غيرنا وجهنا قليلا؛ أعني المساجد وظلالها التي بقيت على الجلد أثناء مرورنا بها. وبقيتْ نافذةٌ عاليةٌ، مزخرفةٌ على عيوننا ولم نستطع بعدئذ رؤية شيء آخر. كان كلُّ شيء يصيرُ مائيا أو غير سائل ولكنه أزرق. كنا نظن أننا في بحر ما هكذا لمدة صيف كامل. بعدئذ جاء شتاءٌ في غير عادته وكأنه أبٌ أو كأنه حارسٌ وأغمض عيوننا ومشينا؛ بحيثُ أن تلك الروائح المتبقية من ذلك الزمن بدأت تحاول الاستقرار كالبرجوازيين. بدأت تريدُ الاستراحة والنوم ووجهنا الذي كنا لم نعد نستطيعُ معرفته. بدأ يستيقظ من نفسه ويتجلّى تماما مثلما بعد ممارسة جنس طويل؛ لا نعودُ نعرفُ أنفسنا. أن نعرفَ نفسنا شيءٌ مملٌّ. قارةٌ مجهولةٌ تلك التي ينبغي بعد حبّها.


المخالب
 
كانتِ العصافيرُ تخرجُ من صدري وكنتُ أرى كيف يتقافزُ الصيادون خارجين من آبار انتظارهم؛ في يدهم الفخاخُ الزجاجية والخيطانُ وفي المنبسط حيثُ يتجمعُ أخوالي من القرى الفضائية كانت أمي هناك تجمعُ الحبوب لأجل عصافير صدري واخوتي يغنون في رقادي أمل الشفاء. كنتُ هكذا مستلقيا وكانت أيدي الصغار والجيران تمتدُّ الى صدري حيث  لا تنقطعُ العصافيرمن الطيران. كلُّ يفرحُ بعصفوره يقبلُ أرياشه الحمراء من دمي أو ينظفُ مخالبهُ كنتُ أسمعُ خرخرة الخيطان والابر التي كانت معلقةً بالفخاخ  ولم أكن أفهم جدواهاكنتُ مسرورا قليلا بهذه الأصوات الغريبة ولم أكن أحسُّ باي ألم على غير المظنون. كان كلُّ شيء قريبا مني، من قلبي؛ الأيدي المتكاثفة والخيطان كانت بعدئذ تدخلُ جهة جلدي وتخرجُ من الأخرى وهكذا مرارا. حيثُ في الأيام التالية في بقعة من جلد صدري كانت مخالبُ العصافير تمتدُّ مخاطةً باتقان. لم يكن أي عصفور يطيرُ بعدُ. فقط خرخرةُ المخالب وهي تلتئمُ على  جلد صدري.




بوادي الشعر

يأتيك صوتُك أحيانا كما أن قصيدةً تتحدثُ عن الورق اليابسالذي كعظام البشر؛ تضمحلُّ ويتجمّعُ عليها ذراتُ الرمل. اولئك الشعراء الذين كانوا يقطعون البوادي العربية  وددتُ أن أكون صديقهم. في الصف الحادي عشر كنتُ أغلقُ الباب عليّ وأغرقُ في تشبيهات المتنبي الصخرية؛ كانت الصحارى تذرُّ علي مطرها القليل وشبابيك الواحة والأحصنة التي كانت تصهلُ في حروف اللغة العربية تدقُّ بحوافرها على طاولتي طالبة مني أن أتقدمَ الى حيثُ صحراءُ الأنا وواحةُ عيون الأنا بجمالها ذات الأبجديات التطريزية والخزيم وأنوف الفتيات العربياتعلى ثيران من الجسد. كنتُ أشمُّ وجعهنَّ الى قصيدة يابسة مكتوبة بالدم على أطراف الوديان. وأنينُ أجسادهنّ كانَ واضحاً يثيرُ بدني علىتعاريج بوادي الشعر.

الذي يسمعني هذا ذو اللحية
أمنحُ نفسي لحظة، كي أقفَ، وأودع آخر عنقود من الأوراق. الحشراتُ أكلتِِ التراب، وبعض الجذوع، والريح أكلت بقية السطح الأصفر الخرب، والذين يجدونني، يريدون أن يتكلموا معي، كأني نبي، أقولُ لهم:  لستُ بنبي، إنما أنا أيضاً في أطراف الشوارع أبحثُ. يظنونني عاشقاً، فأخرجُ  لهم آخر الرسائل، فإذا ترابٌ جميلٌ يغطي مساءنا، أتمهلُ في قراءة رسالة ما ليس فيها أي شيء بخصوص العشق، والذي يسمعني هذا ذو اللحية القليلة، والصوت الكئيب، يتعجبُ، ينظر إليّ، كأني آتٍ من كوكب آخر، إنه يحبُّ الشعر، ويجلسُ مساء بالقرب من دالية العنب، وتسقط حواليه العصافير والفراشات، له مخدةٌ ملوّنةٌ، أمه ترعاه من المطبخ، يسهرُ طويلاً دون أن يستطيعَ كتابة أي شيء، وأمامه ربما في البعيد تتراقصُ عينا فتاة جميلة، حين يجلس جلسته تلك تحت الدالية، أكون قد أعطيتُ الشوارع ساعتين من خطواتي، متعباً ومليئاً بالأفكار، أريدُ أن أضع رأسي على شيء ما، كي أستطيع غداً أن أنشر رسالتي.
 
عيونُهم مغمضةٌ، تبيع أو لا تبيع
لم أعرف أية ريح هذه، التي تهبُّ في وسط الليل من الأوتار! والأوتارُ مخبأةٌ جيداً تحت السنابل، أو فلنقل تحت القش، لا فرق، الشتاءُ والصيف إنهما إبريقان معلقان في البرك والأسوار.
نسمعُ الأوتار وهي تجرُّ الأحصنة النفيسة عبر شوارع المدينة، تسيرُ العرباتُ المزدانةُ بالتوابل ولعب الصغار، وبعض البلاستيك، حين نفتحُ لنا درجاً ما، أو نسألُ البائعين عن قلوبهم، يكونون متعبين، ولا يردون، فقط، يشيرون إلى حوافر الأحصنة، ويمضغون بعض التبغ. لاتهمهم أسئلتنا، وعيونهم مغمضة، تبيع أو لا تبيع.
نقفُ هنا، وأيدينا بعضها في بعض، نحن الصغار، لعلَّ دمية ما تعطينا نفسها بغير ثمن؟ أو حصانٌ مغمض العينين يأخذنا إلى مملكته المغمضة العينين؟ أو ربما إشارة، هكذا، معبأة بالرموز تحملنا إلى لحظتنا الراهنة، بكل حضور الخلاخيل، والدمى والحوافر الصلبة.
 
 طائر ألمانيّ أشقر
لا أجدُ الكثير من الأشجار في الوقت المناسب حين يحتلُ طائر ألماني أشقر زاوية فمي ولا يغادر. حين يذبحُ حبه ولايتركني أطيرُ اليه أقومُ من النوم وأذهبُ الى بيته ليعطيني صورته الملتقطة في الكنيسة أو معبد البوذيين الجدد. صوتُهُ جميل، رقبته جذابةُُ، أغرقُ في تقبيله صباحا مطولا، أضعُ على نعش قلبه زهرة، أضحكُ، أجعلً نفسي لهُ طائرا وأحلقُ في فراشه الجميل المزين بالأحجار والقرميد والأطفال - حيثُ لن يكون لنا نحن الإثنين أي  طفل صغير.
هو طائر وأنا في قفصي أُغني اللحظة حبه كمنزل لايُقاوم.
 الذين يفتنهم الجسد
يدُنا كانت ترى السياج ذلك الأخضر الذي يتعودُ على يدنا التي تنسى بسرعة ومرارا ونفسنا المتسقرة في جيوب الفصول الفصولُ التي تعيش في كوخ في أعلى الشجرة وتتحاورُ معنا بأوراقها مرة واحدةً طازجةً، مرة نصف طازجة، مرة خفيفة وفي خفة الريش تستولي علينا مباغتاتُ الحب، ذلك المجرم المشهور الذي كتب عنه كل من رأه يمتصُّ شفاه عشاقه النحيلين. كلُّ شيء ليس يُعاشُ فهو مباغتٌ. كل شيء ليس يُعاش أو لم يُعشْ بعدُ هو دربٌ كي نسير له وفيه، لأجله نؤجل آلامنا. وكلُّ شيء مغرور، هو جديرٌ بحبنا. كلٌّ شيء يرانا وينكرنا، هو جديرٌ بحبنا. هكذا يقولُ الشعراءُ الذين انتظروا قصائدهم ولم تأت وانتظرهم الحبّ في أقسى مراحله. كيف نحبُّ الجسد فقط. هكذا يقولُ رملُ شاطىء لم يرَ الذين يفتنهم الجسدُ فقط ولهم كامل الحقّ بعدئذ أن لا يروا سوى الجسد ويكون كل شيء بدون أمل تقريبا.
نريدُ الحفاظ على أملنا وآلامنا كي نستطيع النظر من الشباك الى الأعالي ونستطيع أن ندخن سيكارة بعبث وأن لا تغرينا الأجسادُ فقط. هكذا تقول اشتياقاتُ الشاعر الذي ينمو ببطء ويحاولُ أن يعبر ببطء عن الحياة، يجلسُ في يوم ربيعي ويجلسُ حولهُ أجدادُ أجداده، الكثير من المرايا حوله وحوله  اسود آلامه تجترُّ العشبَ برضى.

 والمزهريات وأكواز القهوة
ذاك الصباحُ الذي يجلسُ الى ضوئه ويفكرُ فيكِ يا حبيبتي الطاهرة مثل قبة المسجد، الكنيسةُ الباقية من جيوش الرومان تضيءُ في الليل الممتلىء برائحة خناجر البدو والمسيح وأنا أفكرُ في معصميك الفضيين وحيدا على تدرجات الليل الذي يسترسلُ في مدِّ شعره على الأصوات والقبسات المنطفئة من الحنين والبيوت. وددتُ أن لو كنا لنا طويلا في هذا الضياء؛ تضيئينني بجسدك وأضيئكِ بجسدي ثم ننحني في صلاة قوية تلتهمنا حين الآن تجلسين في الجانب الآخر من الطاولة وبيننا الدفاترُ والمزهريات وأكواز القهوة والخيطانُ والشعراءُ وفناجين القهوة من الأمسيات السابقة ونظرات زوجات الآخرين والقصائدُ المتراكمة من القلوب. أودُّ أن ألمسَ يديكِ  خفيفا كانما هواءٌ دخلَ الى ما بين ثدييك الصغيرين ولامسهما بقبلة خاطفة وانتظرَ بالقرب من بابك حين يحلُّ الليلُ ويفتشُّ في جسدك عن االفواكه، يقضمُ هنا ويلامسُ هذا الموضع فتئنين يا حبيبتي وكمثل فوانيس القرية في أيام العواصف.

 







الفهرس

القسم الأوّل

في قمرِ التوتِ الأبيض
يوتوبوري
تعالَ يا جناحَ الصّيف الفائتِ
لايدَ في يدي
 في هانوفر قَبلكِ
بكيتُ نصف ساعة...

القسم الثاني
قصائد الديازيبام
صلوات

القسم الثّالث
تمشي كأنك مطرٌ
أَنا الزَّهرةُ،  التي وضعتْ نفسَها على شفتيكِ، وطلبتْ أن تقبليها

القسم الرابع
الباب
الصّمت والنّسيان
قارةٌ مجهولةٌ
المخالب
بوادي الشعر
الذي يسمعني هذا ذو اللحية
عيونُهم مغمضةٌ، تبيع أو لا تبيع
طائر ألمانيّ أشقر
الذين يفتنهم الجسد
والمزهريات وأكواز القهوة



 
 عبدالرحمن عفيف: شاعر ومترجم من مواليد عامودا 1971، يقيم في ألمانيا، هانوفر. له مجموعتان شعريّتان: نجوم مؤلمة تحت رأسي(1998) ورنين الفجر على الأرض(2000).